لعل “سيّد الخواتم Lord of the Rings” واحدٌ من أشهر الثلاثيات السينمائية في عصرنا. وقد أعدّها للسينما جي. آر. آر. تويكنز. وقد جنَتْ هذه السلسلة ما يزيد عن ثلاثة بلايين دولار وفازت بعدة جوائر، بما في ذلك جائرة الأوسكار على أفضل فيلم. تصوّر هذه السلسلة من الأفلام موضوعات قوية حول الخير والشر، والسلطة والفساد، وكيفية إيجاد رجاء في أماكن غير متوقعة أو غير مرئية. وما زالت لهذه الروايات التي كُتبت قبل ما يزيد عن ستين عامًا صلة بعالمنا وثقافتنا اليوم وتأثير فيه. وفي واحدة من ذروة المشاهد في فيلم “شركة الخاتم”، يتحسر فرودو الشاب الذي كان ينتمي إلى جنس الهوبيت على العالم الذي يراه حوله بكل مآسيه وظلمته. فعندما نظر إلى صعوبة مواصلة المسير على الطريق أمامه، تحسَّر قائلًا: “ليت هذا لم يحدث هذا في زمني.” فعزّاه مستشاره وصديقه الحكيم دائمًا جاندالف الأشيب بهذه الكلمات: “يتمنّى هذا الشيء أيضًا كل الذين يرون مثل هذه الأوقات، لكنهم ليسوا هم أصحاب القرار. وكل ما ينبغي أن نقرره هو ما ينبغي أن نفعله بالوقت المعطى لنا. وهنالك قِوى أُخَر تعمل في هذا العالم إلى جانب إرادة الشر، يا فرودو.” كل ما علينا أن نقرره هو ما نفعل بالوقت المعطى لنا. وبمعنى آخر، فإنه ربما لم نختر الواقع الذي نحيا فيه ولسنا مسؤولين عن ظروفه وتعقيداته بسبب فشل ما أو أخطاء ارتكبناها، لكن لدينا الخيار في الاستجابة الإيجابية لهذا الواقع وتلك الظروف. وأما التحسر على ما فات أو تمني أمور بعد فوات الأوان فإنه تبديد للوقت وتمزيق للذات.

ومن المؤكد أن هذه الكلمات تردد صدى الحقيقة عندما ننظر إلى العالم اليوم. فنحن محاطون بأزمات تجعل حتى الأقوى بيننا يتوقون إلى أوقات مختلفة. فإطلاق النار، والإرهاب، والتفجيرات اليومية حول العالم تعطينا أمثلة مألوفة تمامًا. وتقْلب عشوائية العنف أي إحساس بالأمان في عالم بعيد جدًا عن سيطرتنا، حيث يسود الخوف على حياتنا اليوم وغدًا. ونحن نتوق إلى السلام والاستقرار، لكننا لا نجده في الزمن المعطى لنا، فكيف نجد رجاء في عالم غير مستقر؟

ماذا تفعل بالوقت المعطى لك كما أشار بحق المستشار جاندالف: “هنالك قِوى أُخَر تعمل في هذا العالم إلى جانب إرادة الشر.” لم ينكر السيد المسيح وجود الشر، بل أكد وجوده، وبيّن أن مهمته هي القضاء عليه بمواجهته. إذ يصف لوقا في سفر الأعمال السيد المسيح قائلًا: جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ.” وصُلب أيضًا لهذه الغاية. لم يُصَلِّ السيد المسيح في إحدى آخر صلواته قبل الصلب من أجل أن نُنقَذ من العالم الذي نعيش فيه. لم يصلِّ من أجل الهروب، بل من أجل الانخراط الهادف: “قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يوحنا 16: 33). ويعني هذا أن الشرور والضيقات ستظل في هذا العالم في هذه الحياة، لكن انتصار المسيح نفسه يعطيك سلامًا وثقة بالانتصار على الشر، حيث يتحول انتصاره إلى انتصار لك. أمّا من دونه، فلا تستطيع شيئًا.

فارس أبو فرحة